30 مارس، 2017

بين تاج وخمرة...... سر العينة 38

يقول الدكتور محسن بن سليمان العطيات العطوي أنه في يوم
الثالث عشر من يونيه من عام 2012  تم تنويم مريضا سعوديا في عقده السادس بمستشفى الدكتور سليمان فقيه بمدينة جدة في المملكة العربية السعودية وكان يعاني أعراضًا تنفسية شديدة مع وجود حرارة وضيق في النفس ونقص في أكسجين الدم وفي غضون أيام تدهورت حالة المريض ليصاب بفشل تنفسي كامل . عندها قام الفريق الطبي المعالج وبعد التشاور مع الدكتور على محمد زكي مدير مختبر الفيروسات في نفس المستشفى  حيث قام بجمع عينات من بلغم المريض ومن دمه وحملت العينات حينها رقم 38.

وبعد  أيام قليلة  ساءت حالة المريض المذكور وأصيب بفشل أعضاء متعدد وفارق الحياة في يوم 23 يونيو (أي بعد 10 اأيام من تنويمه).


وعلى الفور قام الدكتور زكي بأرسال العينة رقم 38 (عينات المريض السعودي المتوفى للتو) لمختبرات وزارة الصحة السعودية وخضعت العينة لأختبارات لجميع فيروسات التهابات الرئوية ومسببات الضائقة التنفسية المعروفة آنذاك مثل أنلفونزا (أ) و (ب) والبارا-أنفلونزا والفيروسات المعوية والفيروسات الغُدية  آنذاك  بتفاعلات البوليميريز المتسلسل  (PCR)  وكانت جميع النتائج سالبة بل وتؤكد  خلو العينة 38 من وجود أي أثر للفيروسات التي تم اختبارها.
 

عندها قام الدكتور زكي بأختبار العينة بخلطها مع (خلايا الفيرو) وهي خلايا يستعملها علماء الأحياء للكشف عن وجود الفيروسات فكان الأختبار مرة تلو أخرى يؤكد وجود نشاط  فيروسي !!!  في العينة  المذكورة  مما دعى الدكتور زكي لطلب المساعدة من مختبر ألماني متخصص لدية كواشف ومُطلقات لجميع الفيروسات وتأكد للدكتور زكي وللمختبر الألماني أنهم أمام فيروس جديد غير معروف من قبل.عندها تواصل الدكتور زكي مع مركز إيراسموس الطبي الهولندي المشهور بجودته العالمية في في أجراء تحليلات لجينات لفيروسات والذي رحب بطلب الدكتور زكي وطلب منه أرسال عينة للفحص  فقام زكي بترشيح العينة بخلايا الفيرو ليبقي على الفيروس حيا وقام بأرسال العينة (شحنة رقم 38)  وتمكن المركز الهولندي من استعادة الفيروس حيا من خلايا الفيرو وقاموا بتحليل جيني كامل له  ووجدوا أن الفيروس هو فرد جديد من عائلة الفيروسات التاجية (بيتا فيروس كورونا) فكان ذلك سبقا علميا ووجد طريقه للنشر في دورية ذائعة الصيت (نيو إنجلاند جورنال أوف ميديسين)  (NEJM)  وأضيف الفيروس "التاجي" الجديد الى قائمة أسلافه كسبب للضائقة التنفسية الخطيرة والتي سميت لاحقا (متلازمة الشرق الأوسط التنفسية Middle East respiratory syndrome corona virus (MERS-CoV)
وبينت المشاهدات السريرية والمخبرية أن (بيتافيروس كورونا)  يختلف عن المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة التاجية و الرشح التاجي بل هو أشدها فتكا وقتلا على الأطلاق.
 

يقول العطيات أنه وفي شهر سبتمبر من نفس العام  2012 قرع الدكتور زكي جرس الأنذار بان هناك فيروسا جديدا من عائلة الفيروسات التاجية يتسبب في ضائقة تنفسية خطيرة للغاية ولم يكتف بذلك محليا بل أنه أرسل رسالة إلى موقع متخصص في رصد الأمراض الناشئة (proMED) في يوم 15 سبتمبر 2012 وظهر البلاغ في الموقع نفسه يوم 20 سبتمبر وهو موقع تشرف عليه الجمعية العالمية للامراض المعدية ويقع في بروكلين بالولايات المتحدة الامريكية (أنظر الصورة المرفقة)
بعدما أرسل زكي رسالة التحذير هذه ،  سافر  بعدها إلى القاهرة ليرقب ماذا سيحدث بعد ذلك


 ويعتقد العطيات أن فعل الدكتور زكي هذا هو الذي أثار حفيظة وزارة الصحة واعتبرته هجوما عليها وتدخل سافر في تخصصها
فقامت بأغلاق مختبره بمستشفى سليمان فقيه وطي قيده
.
 بقي أن اقول أن الدكتور علي زكي مشهود له بالكفاءة العلمية العالية وقدرته في التعامل الممتاز مع العوامل المُعدية المجهولة. ففي عام 1994-1995 تمكن من أكتشاف فيروس جديد كان المسؤول عن الحمى النزفية التي ظهرت في مدينة جدة وكان الأعتقاد وقتها أنها حمى نزفية-الدنقو الأفريقية يكون البعوض نقلا لها لكن أبحاث الدكتور زكي الرصينة كشفت أن هذه الحمى النزفية أنما هي بسبب فيروس جديد أطلق عليه (فيروس الخُمرة) حيث وجد الفيروس الجديد في أفرازات أنوف أغنام كانت تجلب
من منطقة الخمرة (بضم الخاء) وهي منطقة تقع جنوب مدينة جدة.

Zaki AM, van Boheemen S, Bestebroer TM, Osterhaus ADME, Fouchier RA. Isolation of a novel coronavirus from a man with pneumonia in Saudi Arabia. N Engl J Med 2012;367:1814-1820


Zaki AM Isolation of a flavivirus related to the tick-borne encephalitis complex from human cases in Saudi Arabia. Trans R Soc Trop Med Hyg. 1997;91:179–81