10 أبريل، 2018

جنوسة - جندرية

 

تعرف الجنوسة (Gender)  (الجندرّية) على أنها كينونة الأنسان "الأجتماعية" من حيث كونه يؤدي وظيفة (ذكورية) أو (أنثوية)   في مجتمعه ومحيطه.
يقول الدكتور محسن بن سليمان العطيات العطوي أنه لاحظ في خلال  25 سنة الماضية تحولات كثيرة في مفاهيم  ألفاظ  الجندرّية (الجنوسة) في العالم وذلك من خلال رصده للتغيرّات اللغوية المرتبطة بها. قلت أنه في بدايات التسعينيات لاحظت تغيرات في المصطلحات التي بقيت عقودا تحمل الجندرّية الذكورية وحكرا لها والتي يكون لاحقة (man) في آخرها من قبيل : الرئيس (Chairman) ، رجل الشرطة (Policeman)  ، ساعي البريد  (postman) ، المتحدث (spokesman) ،التاجر (tradesman) ، قلت أن ما أوردته من الفاظ أنما هي غيض من فيض وأنما سقتها للتدليل هلى هيمنة الجندّرية الذكورية.
وفي بداية التسعينات بدأت الجندرية الأنثوية بالزحف على هذه الألفاظ على الأقل بأسقاط الخصوصية الذكورية لها من خلال أسقاط لاحقة (man) وأستبدالها بلاحقة (person) لأن الوظائف السابقة أقتحمتها الأنثى في بلاد الغرب حيث القانون الذي يساوي بينها وبين الرجل في المناصب والوظائف  وحيث بدأت المرأة برفض أن تكون للوظيفة التي تشغلها (هي) صفة جندرّية ذكورية. 
وعليه فقد تغيّرت الألفاظ حتى في المعاجم  الحديثة لتكون على النحو التالي :
(Chairman) ......Chairperson
(Policeman) ....... Police-officer
(postman) ....... postperson
(spokesman)....... spokesperson
(tradesman)...... tradesperson  

فتبصر يارعاك الله 

14 مارس، 2018

روسيا القاتلة

العميل المزدوج الروسي  سيرجي سكريبال (60-عاما) وأبنته (33-عاما) عثر عليهما الأسبوع الماضي في أحدى ردهات أحد
الأسواق القريبة من مطعم (زيزي) البريطاني وهما في حالة سيئة جدا حيث يرقدان حاليا في العناية المشددة
الذي قاد لكشف ما حصل لهما هو أحد أفراد الشرطة والذي أقترب من الضحيتين حيث ظهرت على الشرطي المذكور أعراض تسمم حاد أما نتيجة غاز أعصاب (مجهول) أو مادة مشعة . ويرقد الشرطي حاليا في العناية المشددة وحالته وصفت بأنها في حال الخطر الشديد. الجدير بذكره ان سكريبال كان جاسوسا روسيا مزدوجا وكان يتجسس على بلده الأم روسيا لحساب بريطانيا والقي عليه القبض عام 2005 وتم الحكم عليه بالسجن 15 عاما غير أنه أطلق سراحه عام 2010 في تبادل للجواسيس بين البلدين

يقول الدكتور محسن بن سليمان العطيات العطوي ان لروسيا سجلا أسودا في أغتيال الروس المقيمين في بريطانيا :
* 2013  : وفاة الروسي بورس بيرزوفسكي صديق الرئيس بوتن الحميم والذي وجد مشنوقا في منزله وكان التقرير المبديء كل الدلالات تشير إلى أنه مات منتحرا غير أن أسرته رفضت التقرير وتم توثيق علامات تدل على أن بورس أنما تم قتله ثم تعليقه لتضليل سلطات التحقيق البريطانية ولا تزال قضية قتله مفتوحة ولم تغلق حتى الآن
*  2012  :  وفاة الروسي الأكسندر بيربلشني وهو رجل أعمال روسي هرب لبريطانيا منذ سنوات طويلة والذي عثر عليه في شهر نوفمبر في نفس العام  وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة على قارعة الطريق في منطقة ويبرج البريطانية وتبين تحليل محتويات من معدته بواسطة الطب الشرعي وجود آثار لنبات سام.
*  2006  :   أغتيال العميل الروسي المزدوج  الأكسندر لتنفنكو عام 2006 في بريطانيا نتيجة تسميمة بمادة البوليونيوم المشعة.

وتعتقد السلطات البريطانية أن هناك 14 حالة وفاة في بريطانيا يرجح تورط الدولة الروسية فيها وبشكل مباشر

الأجراءات البريطانية التي صدرت اليوم (14-مارس-2018) تعتبر اجراءات غير مسبوقة
* طرد 23 دبلوماسيا روسيا تشتبه بريطانيا بانهم جواسيس
* تعليق العلاقات بين البلدين
* منع حضور الوزراء أو أي من أفراد الأسرة المالكة الألعاب الأولومبية في روسيا  2018

06 مارس، 2018

المحرقة وحماية الدم

المعروف أن المحرقة * وتسمى (الهولوكوست) التي قام بها النظام النازي الهتلري وعلى نحو منهجي ومدروس كان لها هدف محدد وهو تنقية (العرق الآري)* والحفاظ على تفوقه على بقية الأعراق البشرية الأخرى ولقد أستمرت منهجية التصفية بل وأشتدت ولم يمنعها نشوب الحرب العالمية بل أن وتيرتها زادت وبشكل ملحوظ.
يقول الدكتور محسن بن سليمان العطيات العطوي أن الكثير من فلاسفة الجرمان (الألمان) قد أدركوا ومنذ زمن بعيد أن العرق الآري "النقي" آخذ في الأنحدار والتدني خصوصا بعدما أختلط بالعرق اليهودي حيث أدى ذلك التزاوج والذي أستمر لعدة عقود بين العرقين إلى ظهور سلالات بشرية متدنية "دون البشر"حيث تكثر فيهم العاهات والأمراض الوراثية والأختلالات العقلية والتي لم تكن موجودة على ذلك النحو في السلف الجرماني الأول والنقي وعليه فقد سن المشرع الألماني قانونا عام 1936 سمي بقانون "حماية الدم" * والذي يهدف الى فصل الدم الجرماني عن الدم اليهودي"

 يقول  العطيات أن مخيمات التجميع (غيتو) تم أعدادها لجمع أكبر عدد من "غير أنقياء الدم" ممن لوثوا العرق الآري وحيث أنتشرت في شوارع روسيا والمانيا وفي بولندا لاحقا بعد أحتلالها مجموعات من الأطباء يجولون وينظرون في المارة ويتفرسون في وجوههم وسحناتهم ومن يشكون فيه أنه ليس بنقي العرق يذهبون به إلى مخيمات التجميع.

هناك قرى كانت تؤخذ بأكملها وهي القرى التي يسكنها أو يرتادها مجموعات الغجر وهناك قرى محددة في بولندا تم جمع جميع سكانها والدفع بهم لمخيمات التجميع (غيتو) والتي أمتدت بطول ألمانيا وعرضها شمل التجميع والترحيل عدد هائل من اليهود ولأن اليهود يقيمون في روسيا والمانيا في تجمعات سكنية (أحياء يهودية)  خاصة بهم فقد سهل ذلك على الألمان النازيين سهولة الوصول أليهم  ومن ثم الترحيل الجماعي لهذه الأحياء اليهودية 

يقول العطيات ويؤكد أن المحرقة لم تكن لتخص العرق اليهودي كعرق مستهدف وأنما شمل أعراق أخرى كما يؤكد العطيات أنه لا يوجد أحصائيات دقيقة عن عدد البشر الذين ذهبو ضحية الهولوكوست النازي ولكن الأحصائية التالية شبه متفق عليها في الكثير من المراجع :
* 8 مليون مواطن روسي (مشتبه بأنه متلوث بعرق آخر)
* 4 مليون يهودي (معظمهم  في المانيا)
* 2 مليون غجري
* 2 مليون بولندي
* 2 مليون من أسرى الحرب عند الروس
* نصف مليون من المعاقين والمختلين عقليا


تنويهات ومراجع :
* المحرقة : هناك لبس شديد في حقيقة ما كان يجري في الغيتو وهي لفظة تطلق على التجميعات البشرية التي قام بها الألمان   والحقيقة ان الألمان لم يحرقوا المعتقلين احياء وإنما يجعلونهم عرضة للمجاعة ومن مات منهم يحرقون جثته في محارق داخل المخيمات وكان يحرق العشرات من الموتى اما الشباب الأقوياء فيؤخذون للمصانع وخدمة الجيش النازي

* العرق الآري : عرق بشري معروف ، تميز عن غيره من الأعراق البشرية بالتفوق الذهني والذكاء والنبوغ وأليه يرجع الفضل بالكثير من المخترعات (السيارة-الكهرباء-الهاتف) والتي دشنت بدايات القرن التاسع عشر والتي غيرت حياة الأنسان وهذا العرق ينتشر في روسيا والمانيا وبعض أجزاء من أوربا وإيران (بلاد فارس)

* قانون حماية الدم كما ورد  في : Yellow star  (النجمة الصفراء) صفحة رقم 17 وما بعدها -لا توجد ترجمة عربية
المؤلف أخذ الأسم من القانون الذي أمر به الملك كريستان العاشر ملك الدينمارك حيث أمر القانون يهود الدنمارك بخياطة قطعة تحمل (نجمة صفراء) على ثيابهم ليعرفوا بها. والنجمة في التراث اليهودي ترمز إلى نجمة الملك داوود

10 فبراير، 2018

مرور 100 عام على أخطر أنفلونزا في تاريخ البشرية .....هل يعيد التاريخ نفسه؟

أنها "الأنفلونزا الأسبانية" والتي بدأت في الانتشار في عام 1918 ميلادي
يقدر أنها أصابت ثلث سكان الكرة الأرضية (سكان الأرض كان بحدود 1.7 مليار نسمة)
بلغت الوفيات منها حوالي 20 مليونا وبعض المصادر تذكر مابين 50-75 مليون أنسان 
يقول الدكتور محسن بن سليمان العطيات العطوي وهو يتذكر هذه الكارثة الوبائية الرهيبة أنه وحتى كتابة هذه السطور (فبراير 2018) لا يزال الكثير عن ملابساتها مجهولا وخصوصا ما يتعلق بجوانبها الطبية-الوبائية . قلت ولعل أفضل ما كتب عنها ووثق لها من جوانبها التاريخية هو كتاب "جائحة أمريكا المنسية - أنفلونزا 1918" لمؤلفه الفرد كروسبي* أستاذ التاريخ والجغرافيا في جامعة تكساس -أوستن والذي نشر عام 1974 وأعيد نشره في طبعة ثانية عام 2004
مقدمة علمية ضرورية:
هناك 3 أصناف رئيسية من الأنفلونزا صنفت حسب الأبجدية الأنجليزية (A) ، (B) ، (C).
صنفا (B) و (C) يصيبان البشر فقط وحيث لم تسجل أصابات بين الحيوانات أو الطيور أو الأحياء البحرية. لكن الأنفلونزا من صنف (A) تصيب الأنسان والحيوانات (خنازير وخيول وثديات أخرى) والأحياء البحرية (دلافين) والطيور (دواجن وبط) قلت وحيث يعمل البط تحديدا كخزان طبيعي لجميع سلالات الأنفلونزا (A) مما يعني أن الفيروس يصيب أمعاء الطائر دون التسبب له في أعراض لكن الطيور البرية اذا التقطت الفيروس فأنها وبمرور الوقت تسمح بتبادل المواد الوراثية للفيروس مما ينتج عنه سلالات من الفيروس قادرة على الأنتشار بين الثديات الداجنة والطيور المنزلية وحتى الأحياء البحرية .قلت ولاجدال أن جميع الأوبئة والجوائح العالمية خلال 100 عام الماضية كانت بسبب الأنفلونزا من صنف (A)
قلت أن البنية الوراثية (الجينومية) لفيروس الأنفلونزا A و دورة الحياة داخل الخلايا الحية تسمح له بالتطور وتبادل الجينات بسهولة والمعروف أن المادة الوراثية للفيروس تتكون من 8 أجزاء منفصلة من الحمض النووي الريبي RNA (رنا) وسمي نووي لأنه في نواة الفيروس يغلفه غشاء دهني وفي ذلك الغشاء تتوضع جزئيات بروتينية. ولكي يتكاثر الفيروس فأن عليه الأرتباط أولا بالخلية الحية حتى يتمكن من أقتحامها وحيث يسيطرعليها سيطرة كاملة ويدفعها إلى تصنيع نسخ إضافية من أجزاءه الثمانية ثم تجمع هذه القطع نفسها في فيروسات جديدة تنفذ من الخلية المصابة، لتنتقل إلى خلايا أخرى سليمة. ولأن أنتاج نسخ كثيرة من الحمض النووي للفيروس لا يخضع لآلية التدقيق والتحقق التي تضمن دقة نسخ RNA كما هو الحال في الخلايا السليمة فإن الأخطاء التي تؤدي إلى طفرات جديدة تكون كثيرة وشائعة في النسخ الفيروسية الجديدة . والأكثر من ذلك أنه إذا أصابت سلالتان مختلفتان من فيروسات الإنفلونزا الخلية نفسها ، يمكن أن تختلط شرائح الحمض النووي الريبي الخاصة بها بحرية هناك ، وتنتج فيروسات جديدة تحتوي على مزيج من الجينات من كلا الفيروسين الأصليين. كما أن "أعادة ترتيب" وصلات الفيروس الواحد وهي 8 أجزاء ينتج عنها ظهور سلالات جديدة ومتنوعة.
دخول فيروس الأنفلونزا وخروجه من الخلايا:
يتم تحديد فيروسات الإنفلونزا المنتشرة من الصنف (A) من خلال الإشارة إلى بروتينين مميزين على أسطحهما. أحدهما هو بروتين "التراص الدموي" وهو بروتين يتسبب في تراص كريات الدم الحمراء hemagglutinin وحتى الأن تم أكتشاف 15 نوعا من بروتين التراص الدموي في فيروس الأنفلونزا من صنف (A) ويرمز له مختصرا بحرف الهاء (H) والأسم الآخر لبروتين التراص الدموي هو "الأنزيم الحال لحمض اللعاب" (sialidase) وظيفته أحداث الألتصاق بالخلايا التي تحوي على سطحها كمية كبيرة من حمض اللعاب Sialic acid كما هو الحال في خلايا الجهاز التنفسي والجهازالهضمي (ثديات وطيور) وخلايا الجهاز العصبي ومن ثم تكسير حمض اللعاب (عن طريق هضمه) ليتمكن من الدخول فيها.قلت ان هذا البروتين تحديدا هو الذي يثير جهاز المناعة ومعظم لقاحات الأنفلونزا الموسمية تستهدف هذا البروتين
أما البروتين المميز الآخر فهو بروتين "نيروأمينديز" وهو بروتين فيه كمية كبيرة من السكر وهو ينتمي إلى طائفة المحللات (انزيمات) وأكتشف قبل نحو 80 عاما في اللعاب حيث سمي حينها بأنزيم اللعاب (سيلاديز) قلت وهو لا يعدو كونه حمض اللعاب Sialic acid) ولاحقا وجد في أنسجة الدماغ ومنها أخذ التسمية نيروأمينديز neuraminidase وتبين لاحقا أن هذا البروتين السكري موجود أيضا على سطح فيروس الانفلونزا حيث يعمل كمستقبل ويمكن الفيروس من الخروج من الخلايا المصابة ومن ثم البحث عن

خلايا سليمة قلت ويوجد حتى كتابة هذه السطور 9 أنواع منه ويرمز له مختصرا بحرف النون (N) وعليه فعند وصف سلالة من فيروس الانفلونزا من الصنف (A) فلا بد من التخصيص بأضافة رقم بروتين التراص الدموي (H) الخاص بهذه السلالة ومعه رقم بروتين النيروأمنيديز (N) ليعطى الأسم العلمي كاملا لتمييزها عن السلالات الأخرى لنفس الفيروس وعليه فإن سلالة الانفلونزا من صنف (A) والتي أجتاحت العالم 1918 أطلق عليها أسم "H1N1" . وفي عام 1968 ظهرت جائحة أنفلونزا من صنف (A) وتم تسميتها H3N2
بداية وباء الأنفلونزا الاسبانية (أصبح في أشهر قليلة جائحة عالمية):
من الثابت تاريخيا أن أول حالات الانفلونزا الاسبانية القاتلة سجلت في مقاطعة هاسكل في الغرب من ولاية كنساس الأمريكية حيث كانت تقيم هناك ثكنة عسكرية أمريكية في مخيم لتدريب الجنود لنقلهم لسلحات الحرب ووصف الدكتور لرونج ماينر عشرات الجنود يتساقطون سريعا في أنفلونزا شديدة وخاطفة وصفها بانها (أنفلونزا الثلاثة أيام) هكذا وصفها الدكتور ماينر وشدد أن ضحايها هم من الجنود "الشباب" وبالرغم من تبليغه الفوري للسلطات الصحية المحلية الا أنها تجاهلت تقريره!!.

كان لزاما أن يتحرك جنود هذه الثكنة الصغيرة إلى مخيم (فونستن) الشهير في ولاية كنساس والذي ضم قرابة 50 ألف جندي أمريكي أستعدادا للرحيل لمساعدة حلفاء الحرب (فرنسا وبريطانيا) لدعم صمودهما ضد القوات النازية بقيادة هتلر.ولا شك أن ظروف مخيم فونستن لم تكن ظروفا ملائمة حيث شهد المخيم تكدسا كبيرا للجنود الأمر الذي عجل بأتساع وسرعة أنتشار الأنفلونزا حيث تفشت في جميع معسكرات تدريب الجيش الأمريكي الضخمة وفي شهر واحد (معسكر ديفينز ، معسكر أبتون ، معسكر جرانت ،معسكر كودي ، مخيم فريمونت وصولا إلى مخيم لويس في واشنطن). وسنعلم لاحقا أن قرابة مليون وربع مليون جندي أمريكي عبرو بالبواخر الضخمة لدول الحلفاء ساهموا بنشر رقعة الوباء الذي لم يشهد التاريخ البشري بمثله.

يقول العطيات وبالرغم من تساقط ألوف الجنود صرعى في تلك المعسكرات والمخيمات العسكرية بسبب أنفلونزا سريعة خاطفة وقاتلة الا أن التعتيم كان ديدن القائمين عليها.
بعدما وضعت الحرب أوزارها تم الكشف عن عدد الوفيات من أنفلونزا الاسبانية في أمريكا وكانت الصدمة حيث بلغ عدد المتوفين 650 ألف أمريكي معظمهم من الجنود وماتوا قبل أن يصلوا إلى ميادين المعارك.
وصف الأنفلونزا من مظاهرها السريرية:
كانت الأنفلونزا الأسبانية شديدة للغاية ففي خلال 3 أيام تظهر أعراض الأنفلونزا الحادة من ارتفاع في درجة الحرارة مع سعال وسيلان أنفي والشعور بتعب عام وأعياء وبعد عدة أيام يبدأ الشعور بالتحسن التدريجي.
كانت الانفلونزا الاسبانية شديدة جدا بل وقاتلة في الفئة العمرية الشابة ( بين 15-35 سنة) وهذا بخلاف المعهود عن الانفلونزا الموسمية التي تتأثر بها كثيرا فئات اقطاب العمر (أعني بهما الأطفال والمسنين) ولعل من نافلة القول أن أول حالة أصابة بهذه الانلفونزا كانت لجندي أمريكي ظهرت عليه حمى شديدة وأعراض التهاب السحايا الحاد في غياب تام لأعراض الانفلونزا السالفة الذكر.


الموجودات التشريحية في المتوفين من الأنفلونزا الاسبانية:
قام الأطباء بفحص مئات الألوف من أجساد المتوفين من الأنفلونزا الأسبانية بحثا عن السبب الحقيقي للوفيات والتي جاءت في معظمها أنها كانت بسبب ألتهابات بكتيرية ثانوية أهما المكورات العنقودية المقيحة و المكورات العنقودية الذهبية والمستدمية النزلية قلت وهذه بكتريا تسبب التهابات رئوية تمهد الطريق لأحداها الاصابة القريبة بالأنفلونزا الموسمية حيث يتطور حال المريض ويسوء فبدلا من التعافي مما ظهر وكأنه نزلة زكام عادية إلى التهاب رئوي خطير يتسبب في الوفاة.
نسبة معتبرة من الوفيات لم تكن بسبب الألتهابات البكتيرية "المتوقعة" وانما بسبب نزوفات وتخثرات أصابت الرئة والشعب الهوائية وصولا للقصبة الهوائية أو بسبب أحتقان بالسوائل في الرئة (وذمة رئوية) وكان ذلك محصورا على الجهاز التنفسي .قلت وهذا لا يكون الا بسبب "فيروس رئوي".
وصف الأنفلونزا من سيرورتها الوبائية:
من الثابت أن الانفلونزا الاسبانية ظهرت على نحو فجائي في شتاء 1918 ولم يسبقها بعام أو حتى أعوام ما يمكن أن نسمية أنفلونزا موسمية "غير عادية" ومما ميز هذه الأنفلونزا أنه تنتشر بسرعة كسرعة أنتشار النار في الهشيم وبالرغم من القول أنها كانت تنتقل عن طريق الرذاذ المتطاير من الشخص المصاب (القطيرات الصغيرة) (droplets) الا أن سرعة أنتشارها يؤكد لي أنها كانت تنقل بالهواء (airborne)
السبب الحقيقي خلف الأنفلونزا الأسبانية -فيروس أم بكتريا:
حينما أنتشر الوباء أخذ الاطباء يبحثون عن سببه فمن قال بأن المسبب هو فيروس متحور من فيروسات الأنفلونزا الموسمية ورجح بعضهم أن المسبب لها بكتريالم تعرف بعد.
التتبع الوراثي الجيني لمسبب الأنفلونزا الاسبانية:
لحسن الحظ فان عددا لا بأس به من أنسجة رئوية لمرضى توفوا من الأنفلونزا الأسبانية لا تزال محفوظة في بعض المختبرات الطبية الأمريكية التابعة للمتحف العسكري الامريكي والذي يضم قرابة 3 مليون عينة لأمراض شتى كما أن قبورا لبعض من توفوا بسببها وخصوصا من الجنود الأمريكيين معلومة بل ونبش بعضها للحصول على بعض الرفات لأجراء تحاليل وراثية (جينية) وبدأ مشروع البحث عن سبب الأنفلونزاوالذي أمضى قرابة 9 أعوام من التقصي الوراثي حيث أستطاعت الباحثة الأمريكية (آن ريد)* وزملائها وبعد فحص قرابة 80 عينية رئوية من عزل اجزاء من فيروس انفلونزا 1918 تبين أنه ينتمي لأنفلونزا صنف (A) وأنه من سلالة (H1N1) وهي سلالة مطابقة جينيا للسلالة التي تصيب الخنازير (Swine) A/Sw/Iowa/30 لكن المصدر الحيواني (ثديات أو طيور) لتلك السلالة القاتلة ظل مجهولا وحتى كتابتي لهذه السطور.

هل كانت الأنفلونزا الأسبانية سلاحا "حيويا" جربته المانيا ضد الحلفاء؟
بالنسبة لي فهذه فرضية قائمة حتى يتم دحضها بالدليل القاطع والبرهان الساطع لعدة ملاحظات في سيرورة جائحة الأنلفونزا الأسبانية:
* أن أول الحالات واكثرها سجلت في أكبر ثكنة عسكرية لجمع الجنود من كافة أمريكا
* ظهور الجائحة على نحو فجائي.
* سرعة أنتشارها وسرعة التقاطها. 
* سميت بأنفلونزا الثلاثة أيام ففي خلال 3 أيام تسقط المصاب بها.
* لم يسبقها انفلونزا موسمية "غير أعتيادية"
* كل المعطيات المتوفرة لدي تدل على أنها كانت تنتقل بواسطة "الهواء" الملوث (airborne) وليس من خلال سحابة الرذاذ العالقة (القطيرات الصغيرة) (droplets) أو الأسطح الملوثة برذاذ متطاير من الشخص المريض. 
====================================
هوامش ومراجع :
 *سميت بالأنفلونزا لأسبانية لأن أسبانيا لم تكن طرفا في الحرب العالمية الأولى وعليه لم تخضع الصحف الأسبانية للرقابة فكانت تنشر تقارير متواترة عن حال الوباء وعدد الوفيات منه في حين منعت دول حلفاء الحرب (أمريكا و بريطانيا و فرنسا) صحفها عن نشر الوفيات منها مخافة التأثير في نفوس الجنود وأسرهم والرأي العام.
* الأستاذ (الفرد كروسبي) هو استاذ التاريخ والجغرافيا في جامعة تكساس -أوستن وهو استاذ متخصص في الدراسات الامريكية وصدر له عدة مؤلفات لعل أبرزها
رمي النار (كامبرج 2002) ، قياس الحقيقة (كامبرج 1997) ، الاستعمار المناخي (كامبرج 1986)
 
*الباحثة (آن ريد) هي من قسم علم الأمراض الجزيئية ، قسم علم الأمراض الخلوية ، معهد علم الأمراض القوات المسلحة الأمريكية -واشنطن.


* Reid AH, Fanning TG, Janczewski TA, Lourens RM, Taubenberger JK. Novel origin of the 1918 pandemic influenza virus nucleoprotein gene. J Virol 2004;78:12462–12470.

*Reid AH, Taubenberger JK, Fanning TG. Evidence of an absence: the genetic origins of the 1918 pandemic influenza virus. Nat Rev Microbiol 2004;2:909–914.

29 ديسمبر، 2017

الخفاش وكورونا ..... الأنفلونزا القاتلة

في أواخر عام 2002 ضرب العالم فيروس السارس وهو فيروس يسبب ضائقة تنفسية حادة وخطيرة تشبه الالتهاب الرئوي لكنها اشد خطورة وفتكا وكانت انطلاقته من جنوب الصين وتحديدا من مقاطعة قوانغ دونغ .

 وبعد تتبع وجد الباحثون الذين يلاحقون أصل فيروس السارس ما يبحثون عنه في كهف نائي في مقاطعة يونان الصينية حيث حدد علماء الفيروسات مجموعة واحدة من الخفافيش على شكل حدوة حصان تحتوي على سلالات فيروس مع جميع اللبنات الجينية التي قفزت إلى البشر في عام 2002

 أستطاع العلماء من تحديد كنه ذلك الفيروس المميت فوجدوا أنه ينتمي إلى سلالة الفيروسات التاجية ووجدوا أيضا فيروسات متشابهة وراثيا في زباد النخيل المقنع (Paguma larvata) (انظر صورته) وهو حيوان  يكثر بيعه في أسواق الحيوانات في مقاطعة قوانغ دونغ الصينية . وكشفت دراسات لاحقة أعدادًا كبيرة من الفيروسات التاجية المتعلقة بالسارس المنتشرة في خفافيش صينية شكلها مثل حدوة الحصان مما يشير إلى أن السلالة الفتاكة ربما نشأت أولا في الخفافيش ، ثم انتقلت لاحقًا للزباد قبل انتقالها للبشر.

 أن العمل الرائع الذي قام شي زينغ وفريقه من معهد ووهان للفيروسات في الصين وذلك بأخذ عينات من آلاف الخفافيش على شكل حدوة حصان في مواقع في جميع أنحاء الصين يقول "إن العمل الأكثر تحديًا هو تحديد الكهوف ، والتي عادة ما تكون في المناطق النائية ولكننا وبعد عناء عثرنا على أحد الكهوف في يوننان ، جنوب غرب الصين ، حيث بدت سلالات الفيروس التاجي مشابهة لتلك التي تصيب البشر"



ولقد أمضى الباحثون خمس سنوات في مراقبة الخفافيش التي تعيش هناك ، وجمع فضلاتها وأخذ مسحاتوسحب دماء حيث لقد أستطاع الفريق الكشف عن 15 تسلسلا وراثيا (تسلسل جينومي) لفيروسات من الخفافيش ووجدوا أن السلالات ، معًا ، تحتوي على جميع الوصلات الجينية التي تتشكل منها الفيروسات التاجية (فيروسات كورونا) التي تصيب البشر.

 يقول الدكتور محسن بن سليمان العطيات العطوي أن عالم الفيروسات بجامعة هونج كونج الذي شارك في اكتشاف فيروس السارس قال ما نصه  "من الممكن  أن تكون السلالات الفيروسية التي تصيب البشر  قد نشأت من هذا الاختلاط"

لكن عالم الفيروسات تشانغ تشون تو والذي يدير المختبر المرجعي لمنظمة OIE لداء الكلب في تشانغ تشون الصينية ، يقول إن النتائج مقنعة له وبنسبة "99٪" .

 وقال إنه يود رؤية العلماء يثبتون في المختبر أن السلالات الفيروسية البشرية يمكن أن تقفز من الخفافيش إلى حيوان آخر ، مثل الزباد. ويقول: "لو كان بالإمكان فعل ذلك ، لكان الدليل كاملاً".

 سؤال آخر مهم طرحه العالم الصيني (تو) وهو كيف يمكن لفيروس من الخفافيش في مقاطعة يونان الصينية السفر إلى الحيوانات والبشر على بعد حوالي 1000 كيلومتر في مقاطعة قوانغ دونغ ، دون التسبب في أي حالات مشتبه بها في يوننان نفسها !!!


أما العالمان كوي وشي فأنهما يبحثان مجموعات من الخفافيش يمكن أن تنتج سلالات قادرة على إصابة البشر. قام الباحثان حتى الآن بعزل حوالي 300 تسلسل من فيروسات التاجية الخفاشية وسيستمرون في مراقبة تطور الفيروس. ويحذران من ظهور تفشي مميت مرة أخرى "أن  الكهف الذي عثرنا فيه على السارس الخفاشي على بعد كيلومتر واحد من أقرب قرية ، والخلط الجيني بين السلالات الفيروسية في الخفافيش سريعا للغاية"  ثم يخلص إلى القول "إنه يعزز الفكرة القائلة بأنه لا ينبغي لنا أن نضع الحيوانات البرية في الأسواق لأن ذلك هو السبيل الوحيد للابتعاد عن ضرر العدوى الناشئة".

 أما أنا فأختم بالقول أن كورونا الإبل الذي اصابنا قبل سنوات قليلة وتسبب في ضائقة تنفسية مميتة وتسبب في وفاة حوالي 300 مواطنا سعوديا ربما أنتقل من نهشة خفاش  لجمل أو ناقة في الصومال أو السودان أو حتى مصر فانتقلت العدوى للجمل ثم لقطعانا من الجمال والتي يتم أستيرادها وعلى الدوام إلى ميناء جدة الإسلامي ثم قفز فيروس سارس من الإبل المريضة لتصيب من يخالط هذه الإبل من البشر.