يقول الدكتور محسن بن سليمان العطيات العطوي أنه وفي شمال شرق تايلند مقولة قديمة تسود في قراها وتعود لمئات السنين حتى أصبحت مثلا مخيفا في ثقافتهم القروية مفادها أن الشاب الذي يتثائب ليلا فأنه ....لا يصبح.
فلقد لاحظ القرويون وعلى مدى أجيال كثيرة أن الشاب الذي يعود إلى بيته بعد عناء يوم طويل في حقول الأرز أن نام ذلك الشاب ثم أستيقض فجأة في آخر الليل أو وقت السحر ليطلق نوبة تثاوب عاليه ثم يعود للنوم سريعا دون أن يغادر فراشه فان ذلك الشاب يصبح ميتا .... " لاي تاو".
في السبعينيات والثمانيات الميلادية بينت أحصائيات المركز الأمريكي للأمراض (CDC) أن عددا كبيرا من الشباب من أصول تايلندية كانوا يموتون وعلى نحو مفاجيء وفي مساكنهم بعد عمل يوم طويل وشاق في مصانع السيارات بالرغم من خلو سجلاتهم الطبية التام من أية أمراض قلبية.
كانت ملاحظات المركز مهمة للغاية ولكن لم يكن لها تفسيرا مقنعا في حينها.
المعروف أن حركة أنقباض القلب يتم تحت تأثير أنطلاق شحنة كهربائية تنطلق من عقدة موجودة في أعلى الأذين ثم تمر هذه الشحنة إلى بطينات القلب ليتم الأنقباض وبعد الأنقباض أرتخاء ليتسنى للبطينين تلقي الدم من الأذينين وهكذا يؤدي القلب وظيفته في أستقبال الدم ثم ضخه لأعضاء الجسم
ويمكن رسم الدورة الكهربائية (أنظر الرسم المرافق) عن طريق أجراء تخطيط بسيط لكهرباء القلب . ويمكن إيضا تقسيم الدورة الكهربائية إلى فترات زمنية كما هو مبين في الشكل .
كل فترة زمنية محسوبة بدقة ومعروفة ويتم استعمال الحروف الأنجليزية للدلالة على بداية ونهاية كل فترة زمنية
وكما هو ملاحظ فأن هناك فترة زمنية بين حرفي Q و T وتسمى فترة Q-T وهذه الفترة الزمنية تمثل فترة تبديد الشحنات من البطينين ( تسمى علميا إزالة الأستقطاب) تمهيدا للأرتخاء ثم عودة الشحنات لهما تمهيدا للأنقباض ( تسمى علميا الأستقطاب)
أذا أستطالت هذه الفترة فأن ذلك يؤدي إلى توقف عمل البطينين وبالتالي حدوث نوبة أغماء أو حتى صرع وصولا إلى الموت المفاجيء وتسمى طبيا (متلازمة Q-T الطويلة الأمد)
ومنذ الخمسينيات الميلادية حتى أواسط التسعينيات كان الحديث وعلى الدوام عن (متلازمة Q-T الطويلة الأمد) ولم يكن هناك حديثا عن "قصر" هذه الفترة حتى نشر طبيب القلب الأسباني (بدرو بروقادا) حالة لطفل بولندي عمره 3 سنوات وكانت تأتيه نوبات شديدة من الأغماء وكان الأعتقاد في أول الأمر أنها نوبات صرع غير أن الدكتور بروقادا ولأول مرة بين ان السبب الحقيقي وراء أغماءات ذلك الطفل هو القصر الشديد في فترة Q-T وعرف المرض فيما بعد بمتلازمة بروقادا (Burgada syndrome) وقام بنشر الحالة عام 1986 ثم عاد الدكتور بروقادا ونشر 8 حالات وبمختلف الأعمار وكان ذلك في عام 1992 ميلادي وحيث كان اصغر الحالات عمرا سنتان وأكبرهم 53 عاما وشاركه البحث شقيقه الأكبر خوزيه (Josep) وهو إيضا طبيب قلب.
وفي عام 1997 قام باحثون بمراجعة أسباب الموت المفاجيء في الرجال في (تايلند) فتبين لهم وبعد أخذ تاريخ مطول وتتبع لمشجرات أسرهم وعائلاتهم أنه يمكن القول أنهم ماتوا بسبب قصر شديد في فترة Q-T والتي تعرف بمتلازمة برقادا أو (متلازمة Q-T القصيرة الأمد)
تبين بعد سنوات أن سبب قصر فترة Q-T الشديد سببه خلل وراثي يصيب قناة تسمح بدخول مادة الصوديوم اللأزمة لأنقباض البطينات (سميت قناة الصوديوم الخامسة لتمييزها عن قنوات الصوديوم الكثيرة والتي تنتشر في أعضاء كثيرة من الجسم البشري) وحيث يؤدي الخلل الوراثي إلى قلة مفاجئة لدخول الصوديوم وبالتالي توقف الضخ المفاجيء للبطينين فأما يؤدي ذلك إلى أغماء موقت أو يستمر التوقف مؤديا إلى الموت. والجدير بالذكر أن وراثة الخلل تكون بصفة سائدة حيث ينتقل المرض بين الذكور من السلف إلى الخلف ليكون المرض حصريا في الذكور.
وفي الوقت الحاضر تشكل متلازمة بروقادا حوالي 20% من حالات الموت المفاجيء في الذكور ممن لا يذكر أنهم كانو يعانون من مشاكل قلبية قبل موتهم .
أما أنا فأتمنى لكم جميعا بأن تصبحون على ألف خير وسلامة