10 فبراير، 2017

رمضون

يقول الدكتور محسن بن سليمان العطيات العطوي أنه كان شغوفا بالتعلم منذ صغرة وتحت ألحاحه ذهب به خاله الشيخ محمد بن كريم العطيات (أبوخالد) حفظه الله للوحدة الصحية المدرسية بتبوك بهدف الحصول على تقرير (تسنين) والتي طلبته المدرسة كشرط أساسي لقبولي في الصف الأول الأبتدائي
غير أن الطبيب المصري وبعد أن سألني بعض الأسئلة العجيبة رفض منحي تقريرا بحجة أني لازالت صغيرا.
لكني رفضت ذلك وأخذت بالألحاح على والدتي الشيخة مقبولة بنت كريّم على الذهاب بي للمدرسة (مدرسة زيد بن حارثة الأبتدائية بتبوك)  فكان لي ما أردت وحينما ذهبنا سوية للمدرسة كان على بابها مدرسا كريما هو الأستاذ الشيخ (عبدالباقي رمضون) والذي أخذ بيدي وطمأن والدتي أطال الله بعمرها بأنني سأكون في أيدي أمينة.
 وأستغرقت في الدراسة ولم أغب يوما واحدا ، وفي نهاية العام تم توزيع الشهادات ولم يكن لي شهادة من بين الشهادات فسألت الاستاذ عايد  مصلح (أستاذ أردني) عن شهادتي وبعد بحث قال أنه لم يجدها وأنها ربما قد تكون في الأدارة فذهب لأحضارها ولكنه لم يجدها وبعد بحث تبين للأدارة أن ليس لي ملف أصلا حينها أرسل مدير المدرسة الأستاذ والمربي الكريم محمد بن سليمان الشريف رحمه الله لوكالة الوزارة بحثا في شأني فجاء الرد أن يفتح للطالب محسن ملفا وتحتسب نتيجتة  رسميا ويرقى للصف الذي يليه ويمنح شهادة تقدير ومبلغ رمزي نظير أجتهادة.
يقول الدكتور العطيات أن وجود الشيخ والمربي والاستاذ عبدالباقي رمضون في مدرسته كان مبعث للطمأنينة فكان الشيخ على درجة عظيمة من التقوى والورع وكان يعامل كل طالب منا وكأنه أحد أبناءه.
في منتصف شهر شباط-فبراير 1982 الموافق 1402 هجرية قام النظام السوري الكريه بمجزة حماة المعروفة والتي أهلكت الحرث والنسل وفقد أستاذي الجليل (رمضون) الكثير من أهله وأقربائه ويعتقد الدكتور العطيات أن ذلك ربما هو السبب في تأليف أستاذه وشيخه عبدالباقي رمضون كتاب (الجهاد سبيلنا) وهو كتاب قيّم ألفه وطبعه في نفس العام وخرجت طبعته الأولى من لبنان والكتاب تأصيل ممتاز للجهاد في الأسلام يدل على رسوخ قدم الشيخ في العلم الشرعي وكان حفظه الله  قد ألف كتابا من قبل يحمل عنوان (الحجاب) صدر عام 1977  
وفي الختام أقول  أنه وبالرغم من مرور كل هذه السنوات لا زلت أذكر لقائي به وكأنه اليوم ولا أزال أحمل له في نفسي كل معان الاحترام والتقدير وأدعوا له بالصحة والعافية وطول العمر.

28 ديسمبر، 2016

الجوائح التنفسية ومناعة القطيع

الأوبئة التنفسية هي أخطر الجوائح التي يتعرض لها البشر والجائحة لأن الوباء يجتاح العالم بأسره متنقلا بين دولة وأخرى ولسرعة أنتشارها وأرتفاع معدلات الاصابة تبقى الجوائح التنفسية المهدد الأخطر لحياة البشر وهي الأختبار الحقيقي والصادق لكل نظام صحي.
ما المقصود بمناعة القطيع؟  
عندما يكون عدد كاف من السكان مقاومًا لوباء ما ،فأن ذلك الوباء يتوقف انتشاره بشكل طبيعي وتلقائي لأنه ليس هناك عدد كاف من الأشخاص قادرون على ألتقاطه ومن ثم نشره وبالتالي ، فإن "القطيع" محصن ، على الرغم من أن العديد من أفراد ذلك القطيع لا يزالون غير محصنين.

وعليه يمكننا أعتبار مناعة القطيع هي حماية (غير المباشرة) من وباء معين  وتحدث الحماية عندما يكون نسبة معتبرة من السكان محصنين ضد ذلك الوباء إما من خلال التطعيم (اللقاح)  أو المناعة التي تم أكتسابها من خلال التعرض الفعلي للعدوى ومن ثم التعافي منها.
علينا أن ندرك أن نسبة معتبرة من الأشخاص لا تتكون في أجسامهم مناعة جيدة بالرغم من تلقيهم للقاح الموصوف لذلك الوباء.

مناعة القطيع تعتمد على معدلات العدوى المقترحة لكل عدوى فعلى سبيل المثال أذا كان لدينا في وباء معين أن المريض الواحد ينقل المرض إلى 20 شخصا فهذا معناه أنه يجب أن يكون 90% أو أكثر من السكان يجب أن يكونوا محصنين (بلقاح أو تعافي) حتى نستطيع القول أن المجتمع أصبحوا يتمتعون بمناعة القطيع. وفي المقابل أذا كان الوباء ينتقل بمعدلات أقل كالوباء الذي ينقله الشخص الواحد لأثنين أو ثلاثة فهذا معناه أنه يجب أن يكون 50% من السكان محصنين
بمعنى أنه كلما كان الوباء أكثر عدوى ، وجب زيادة مناعة السكان لضمان مناعة القطيع.
دعونا نطبق ذلك المفهوم ذلك على الحصبة والضائقة التنفسية الخطيرة (سارس)
المعروفة أن الفيروس المسبب للحصبة معدي للغاية ويمكن للطفل الواحد المصاب به نقله وبسرعة عالية إلى يقارب 30 إلى 50  طفلا آخر لم يتعرض له من قبل . وهذا يعني أن حوالي 90٪ من الأطفال في دولة ما يحتاجون إلى أن يكونوا محصنين حتى تتمتع المجموعة الأوسع من الأطفال بمناعة القطيع. قلت ولأن وباء الحصبة يصيب أعدادا هائلة من الأطفال وفي وقت قصير وحصد مئات الأولوف من أرواحهم على مر التاريخ كان لزاما أيجاد (لقاح) فعال لتجنيب الأطفال مضاعفات وباء الحصبة الخطيرة . اليوم في المملكة نسبة الأطفال التي تلقت لقاح الحصبة تقارب 97% مما يجعل أنتشار وباء الحصبة بين الأطفال السعوديين تحديدا ضئيلا للغاية.
المعروف أن المناعة المكتسبة ضد الحصبة سواء كانت عن طريق التعرض للمرض والنجاة منه أو بأخذ التطيعمات ضدها أثناء الطفولة المبكرة  تبقى بطول عمر الأنسان تقريبا بعكس اللقاح ضد الأنفلونزا والذي يتوجب أخذه كل عام بسبب تغير سلالات الفيروسات المسببة للزكام وتعددها.
ولكن في فيروس الضائقة التنفسية الخطيرة (سارس) نجد أن معدل الإصابة أقل بكثير من الحصبة ، حيث ينقله كل شخص مصاب إلى شخصين أو ثلاثة أشخاص جدد في المتوسط. وهذا يعني أنه يجب تحقيق مناعة القطيع عندما يصبح حوالي 60٪ من السكان محصنين ضد ذلك الوباء لتحقق ما يمكن أن نسميه مناعة القطيع.
يقول الدكتور محسن بن سليمان العطيات العطوي أن قرار السلطات الصحية في الأخذ بمفهوم مناعة القطيع الطبيعية بمعنى ترك الوباء أو الجائحة تأخذ مسارها الطبيعي يجب أن لاتكون الأستراتيجية المثلى حتى بوجود نظام صحي جيد ومتماسك لأن تعريض ما نسبته 60-70% من السكان للوباء التنفسي لكي تتكون للمجتمع بأسره مناعة القطيع سيكون في نظري استراتيجية كارثية  بكل المقايسس لأن الكثير من الأشخاص سيصابون بمرض ربما يكون شديدا للغاية وهذا يؤدي إلى تزايد كبير وغير مسيطر عليه في أعداد  المرضى الذين يحتاجون إلى رعاية صحية  أو المعالجة في وحدات العنايات المركزة مما يؤدي إلى أنهيار وأجهاد سريع وحاد للنظام الصحي العام كما أن نسبة الوفيات لا يمكن التنبؤ بها على نحو دقيق خصوصا في فئات المجتمع ذات المخاطر العالية وهي أقطاب العمر (صغير جدا -كبير جدا) وممن يعانون من أمراض مزمنة وفئات المجتمع الفقيرة والمهمشة.

وعليه فأن أفضل أسلوب (أخلاقي) للوصول إلى مفهوم مناعة القطيع هي من خلال اللقاحات.

سنة الجمل



سنة الجمل وفيها قام جزار أردني من منطقة الحصن في الاردن وأسمه (الهربد ) بنحر جمل بعدما لدغته حية ضخمة (أصلة) وقام ببيع لحمه على الفور.
يقول العطيات وكل من أكل من لحم ذلك الجمل مات وبلغ عددهم أكثر من 30 شخصا فاصبحت سنة الجمل من الاحداث التي يؤرخ بها الناس فيقولون تزوج أو ولد أو مات أو مرض سنة الجمل
وسنة الجمل توافق عام 1923 ميلادي

21 سبتمبر، 2016

خلوج

تعتبر الناقة من أحن المخلوقات على حوارها فهي تضع حوارا واحدا وتعتنى به حتى يصبح (سديسا) أو حتى تلقح بحمل جديد ويستمر حمل الناقة حوالي 14-16 شهرا .
والناقة تستطيع التعرف على حوارها من بين العشرات من الحيران وهي لا تسمح لحوار غير حوارها برضاعتها واذا قدم لها حوار آخر تقوم برفع أطبائها (ضروعها) فلا يستطيع الحوار (الغريب) رضاعتها .
وقد تفقد الناقة حوارها لعدة أسباب عندها تسمى (خلوج) وسميت بذلك لأن فرائصها تختلج وتضطرب ويرافق ذلك رزيم وهو حنين وانين بما يشبه الشكوى وتفقد الناقة رغبتها في الشرب والأكل وتكون في آخر الإبل.
يقول الدكتور محسن بن سليمان العطيات العطوي أن أبن رومي كان من تجار الإبل الكبار وكان يقيم في الأحساء وكان له ولدا وحيدا لم يرزق غيره ودخل يوما في حوش الإبل فرمحت أحدى النياق أبنه الصغير فقتلته على الفور فعمد أبن الرومي على الفور إلى الناقة وكان لها حوارا صغيرا يتلوها فقام بنحره أمامها فأخذت الناقة تحن وتختلج لفترة طويله وبعدها بأكثر من عامين على الحادثة  لقحت الناقة ثم وضعت  حوارا آخر وبعدما ألفته وألفها عمد اليه أبن الرومي ونحره أمامها فأخذت الناقة تحن و تختلج حتى ذبل سنامها وبعد عامين وضعت الناقة حوارا آخر وبعدما ألفته عمد اليه أبن الرومي ونحره أمامها فأخذت الناقة تختلج وترزم طول يومها وليلها وفي الصباح وجدها ميته حزنا وكمدا على فقد حوارها ولقد أنتقده الكثيرون على فعلته الشنيعة فكيف بأنسان عاقل يعذب حيوانا بهذه الطريقة .
قلت ولقد أتخذ أبناء البادية من (خلوج أبن رومي) ومصيرها مثلا لهم للدلالة على صنوف العذاب والقهر المزمن المؤدي حتما للهلاك فنجد بعضهم يقول (صرت مثل خلوج أبن رومي) .
الشاعر  فهّاد العاصمي يصف حالته بأنها وصلت الى مرحلة لعلها  أسوا من حال "خلوج أبن رومي" حيث قال في قصيدة طويله يبث شكواه لصديقة بن نصار  بسبب مفارقته لأهله وأحبته:
يا ونّة ونّيتها يا بـــن نصّار ... ما ونّتها مثلي (خــلوج ابن رومـي)

كني من الفرقى على كير بيطار  .. شبوبه أرطى والستاد مهـومي
كير : منفاخ كبير لتسعير النار وتأجيجها
بيطار : الحدّاد الماهر
أرطى : نبات صحراوي شديد الإيقاد  
الستاد : المتقن صنعته والكلمة فارسية (أستاد) ومنها قولهم (أستاذ) و (أوسطى) في لهجة مصر
مهمومي : من أشغلت فكره الهموم 

26 أغسطس، 2016

بين مريضين


المريض الأول
يقول المريض يصف للطبيب ما وقع له :
كنت  قاعد في أمطراحة أتقهوى
وما أدري ما هو أجَاني
فجأة حبجت بصمتي في القاع
وركبني صادع ودوخة  

(أرى أمقيروانه ترقص فوق أمقرعينه)
 وصلم في ظهري وسيقاني ، 

وبّت مدقدق ومرفوت وأهتش

 (السطور أعلاه برواية الدكتور حسن الخضيري - طبيب من جازان)  

قلت ولكي نفهم شكوى المريض علينا أولا بتفكيك مفردات كلماته والوقوف على  معاني كل مفردة :
قاعد : جالس
أمطراحة : (أم) أداة التعريف في العربية الجنوبية + ( طراحة) : فناء 

أتقهوى : أحتسي القهوة
ماهو اجَاني : وأذ بالذي أصابني
حبجت : أرتطمت  والكلمة فصيحة
بِصمتي  : الصمة هي أعلى الرأس ويقصد هنا (الجبهة) وهي فصيحة
القاع  : وجه الارض والكلمة فصيحة
وركبني : أصابني والكلمة فصيحة
صادع : صداع  
أمقيروانه : (أم )  أداة التعريف في العربية الجنوبية + (قيروانه) : حوض الغسيل
أمقرعينه : ( أم ) + ( قرعينه) وهو العمود يكون في أعلى العشة
صلم : ألم قاطع  والكلمة فصيحة
ظهري : ظهر الأنسان
سيقاني : جمع ساق
وبت : من المبيت ليلاً أي أمسيت والكلمة فصيحة
مدقدق : مرضوض والكلمة فصيحة
مرفوت : مكسّر والكلمة فصيحة
وأهتش : من أصابته الحمى


والذي يريد أن يقوله المريض  :
"بينما كنت جالسا في فناء العشة أحتسي القهوة 
فجأة أرتطمت جبهتي بالأرض ، ثم أصابني بعدها صداع ودوخه
حتى خيّل إلي أنني  أرى حوض الغسيل يرقص فوق عمود العشّة وشعرت بألم قاطع شديد في ظهري وسيقاني وأمضيت ليلتي مرضوض ومكسّر ومحموم" 


*********************************
المريض الثاني
يقول المريض  يصف للطبيب ما وقع له :

 شفت لي  يا حكيم شول محيّره
وكانت الأطباء مكتوبه بصرارها
وكنت يا حكيم مبطي عن حليبها
وحلب لي الشغموم منها وأخذت لي غمجات
وبعد العصر جتني هيضه برهزتني عن الربع

وأخذت معي الين الجهمه
خلتني فادر و أمسيت منها مدنف

(السطور أعلاه برواية الدكتور محسن العطيّات - طبيب من تبوك)

قلت ولكي نفهم شكوى المريض علينا أولا بتفكيك مفردات كلماته والوقوف على  معاني كل مفردة :
شول : مجموعة من النياق والكلمة فصيحة
محيره : محفوظة في (حير) وهو ما يشبه الحضيرة والكلمة فصيحة

الأطباء : جمع (طبي) وهو ضرع الناقة والكلمة فصيحة
مكتوبة : مربوطة والكلمة فصيحة 

صرار : حبل قصير تربط به ضروع الناقة والكلمة فصيحة
الشغموم : الشاب الطويل التام الحسن والكلمة فصيحة
غمجات : جرعات والكلمة فصيحة  ، والبعض يعيد ترتيب حروفها لتكون (جغمات)
هيضه : أنطلاق البطن والكلمة فصيحة

برهز : يتنحى ويبتعد والكلمة من بقايا لغة الأنباط الشمالية
الربع : قوم الرجل وجماعته
الين : (إلى + أن)  بمعنى حتى
جهمة : قبل بزوغ الشمس والكلمة فصيحة
خلتني : جعلتني
فادر :  الفتور الشديد  والكلمة فصيحة أنظرها في (فدر)
أمسيت : أدركني المساء
مدنف : المشرف على الموت والهلاك والكمة فصيحة

والذي يريد أن يقوله المريض "
لقد رأيت مجموعة من النياق وكانت ضروعها مربوطة ، وكنت لم أشرب حليبها لفترة طويلة ، فقام شاب جميل وحلب لي شيئا من حليبها ، وأخذت  منه جرعات وبعد العصر أنطلقت بطني فتنحيت عن جماعتي واستمرت حتى وقت متأخر من الليل وأصابني بعدها فتور شديد حتى جعلتني أمسي  مشرفا على الهلاك"



عزيزي القاريء أن ما قرأته أعلاه ليست لغة مشفرة أو لغة عالية قال بها من يحمل الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها وأوردها ممازحا  وليست بلغة سوقيه أو لهجة مبتذلة وأنما نطقتها ألسن عربية (فصيحة) تعيش بيننا - حتى كتابة هذه السطور - وعلى سجيتها وتردد ما ورثته من الفاظ من أسلافها 
قلت ولو كان الحكيم (الطبيب) من زمن الأصمعي أو حتى (سيبويه) لعرف مالذي يريد أن يقوله كل واحد منهم وبنسبة 99%  دون الحاجة إلى الرجوع الى معاجم اللغة أو حتى الأستفهام أو الأستيضاح من القائل.