كوني طبيب جعلني اراقب ومنذ سنوات طويلة مشهدنا الصحي.
ومما أدركته أن بعضا من المستشفيات والمنشئات
الصحية خرجت عن الطريق لتدخل نفسها في نفق أوله نور وأخره ظلام دامس.
فهذه المستشفيات وبعضها منشئات طبية
مرجعية عملاقة سمحت بنشوء حالة "بيضة القبان" وأعني به مديرا طبيا كان
أو أداريا وضعت فيه كامل ثقتها ومنحته دعمها اللامحدود واعطته أو أعطى لنفسه
صلاحيات -تكون لاحقة- تؤدي إلى الحاق الضرر بالمنشأة على المدى الطويل.
بل أنه وفي بعضها نجد مراكز واقسام طبية وأداريه
أوكل أمرها لأفراد حتى تحولت وبمرور الوقت الى ما يشبه الممتلكات الشخصية لذلك
المدير أو ذاك الطبيب ، يدخل فيها من يشاء ويمنعها عمن يشاء.
وقد يكون ذاك المدير او الطبيب هو بالفعل
أهلا لها ومشهود له بالكفاءة لكن ذلك كله بالنسبة لي لا يغني عن الحق شيئا.
فالحق هو أن تقوم المستشفيات وادارتها ببناء
أنظمة ادارية جيدة تضع حلولا للمشاكل المحتملة وبذلك من يسير الادارة هو وجود "الأنظمة"
وليس "الأفراد" والذين يكون دورهم هو دور القيم عليها والمنفذ لها.
قلت ولعل ذلك كان ديدن الدكتور جون فراير وعبقري
الأعمال الأمريكي جاك ميزي حينما وضعا سوية الأنظمة الطبية والأساسية لمستشفى
الملك فيصل التخصصي فلم يتركا شاردة ولا واردة والأثنان من شركة المستشفيات الأمريكية
Hospital Corporation of America
فجون فراير كان أول مدير تنفيذي لمستشفى الملك فيصل التخصصي فقد حرصا على أنه وحتى بعد انتهاء عقد بناء وتشغيل المستشفى ولمدة عشر سنوات (1975-1985) فأن مقود الادارة
سيتم تسليمها في نهاية العقد الى ادارة محلية وأن أداء الادارة العام سيبقى جيدا ولن
تتأثر سلبا بدرجة كفاءة من يقودها. قلت ولعل هذا هو مفهوم "القيادة الآمنة"
وبالفعل أستمر مستشفى الملك فيصل التخصصي بجودته ولعل من المفيد ذكره أن معالي
الدكتور فهد العبدالجبار والذي غادر قسم النساء والولادة بكلية الطب بجامعة الملك
سعود ليتولى إدارة التعليم الطبي في التخصصي عام 1983 ثم وجد طريقه في سلم الادارة
التنفيذية وصولا الى منصب المدير العام التنفيذي للتخصصي في الفترة ما بين (1985-1993)
قلت أن معاليه عاصر السنوات الأخيرة لشركة المستشفيات الأمريكية وكان منفذا أمينا للسياسات والأجراءات Policies and procedures التي
وضعها الدكتور جون فراير وأنه لم يتجاوز على جوهرها
واطرها العامة. ويقول الدكتور العطيات أن معاليه نقل خبرته هذه لاحقا إلى الشؤون
الصحية بالحرس الوطني حينما كان معاليه المدير العام التنفيذي لها في الفترة ما
بين (2003-1994) فأحدث بذلك تحولا نوعيا في الشؤون الصحية بالحرس الوطني.
قلت أن ذلك المفهوم الاداري "القيادة
الآمنة" والذي تحول وعلى مدى 4 عقود إلى ما يعرف اليوم في علم الادارة الحديث
بمفهوم "الطيار الآلي" ، ذلك الطيار والذي يطير بألوف الطائرات
كل يوم وبكل أمن وسلاسة وسلامة بل ان الكوارث الجوية الرهيبة حصلت حينما يتم التحول
من "الطيار الآلي" الى "الطيار البشري".
أقول أنه اذا ربطت الادارات مصيرها
ونجاحاتها بوجود "افراد" جيدين وليس بوجود "أنظمة" جيدة فان
هذه الادارات قد تحقق نجاحات جيدة و لسنوات ولكن التراجع يكون مصيرها بخروج هؤلاء
الأفراد من المشهد الإداري.
مثل تلك الادارات والتي اسميها "ادارة
بيضة القبان" ولانها في الواقع الملموس ربطت مصائرها بافراد وهولاء الافراد
حتى وان كانوا متميزين في أدائهم ، بمرور الوقت تصبح هذه الادارات أسيرة بأيديهم وقد
يمارسون على اداراتهم العليا وحتى وزاراتهم بما اسميه "الابتزاز الخفي" فهم
يوحون لهم ولمن حولهم ان وجودهم هو سر نجاح الإدارة والباعث لاستمرارها وان خروجهم
ينذر بتعثر الإدارة وربما انهيارها.
السوء حقيقة لا يقف عند هذا بل يتعداه
ليعكس صورة سلبية وقاتمة عن هذه الإدارات تؤدي إلى أحجام المتميزين سواء كانوا
أطباء او اداريين عن الانضمام لهذا النوع من الادارات خوفا من سطوة وتحكم مدراءها
المطلق.
وهكذا نوع من الادارات وبمرور الوقت يؤدي حتما
الى مفاسد كثيرة منها إشاعة الشحناء والبغضاء بين افرادها وبالتالي تكون بيئة
طاردة وغير صحية وقد يؤدي الى شيئا من الفساد المالي وحتى الأخلاقي وبدرجات متفاوتة.
أن تدوير المناصب الطبية والإدارية وخصوصا
في مستوياتها المتوسطة والدنيا وفي ظل "أنظمة" جيدة هو الحل الجذري للقضاء
على ظاهرة "بيضة القبان" لأن الجميع يتولون القيادة وبشكل تراتبي لأربع
سنوات مثلا ثم يأتي الآخر وهكذا مما يشيع جوا جيدا من الألفة ويشعر الجميع بأهميتهم
وأنهم -جميعا-على قدم المساواة .
وأسلوب تدوير المناصب هو أسلوب متبع في مستشفيات
رائدة وحققت من خلاله بيئة جاذبة للمدراء والأطباء المتميزين مما انعكس على جودة الأداء.