أنه يوم الاربعاء 17 يناير 1991. وفي يوم الثلاثاء 16 يناير إنتهيت من إختبارات الفصل الأول في كلية الطب. خدمة سيارات الأجرة في سكن الطلاب تتوقف الساعة 10 ليلا . كانت رحلتي من الرياض الى تبوك هي الساعة 4 فجرا . وعليه قررت الذهاب للمطار الساعة 10 ليلا لكي أتمكن من السفر .
أمضيت وقتا طويلا في مطار الملك خالد الدولي وحينما فتح جهاز الكمبيوتر وبدأ باستقبال طلبات إصدار بطاقات الصعود للطائرة كان ذلك في تمام الساعة الواحدة فجرا من يوم الأربعاء 17 يناير وكانت بوابة السفر على بطاقة صعود الطائرة تحمل الرقم 32 . اخذت مقعدا هناك بإنتظار الإعلان لركوب الطائرة المتجهة إلى تبوك.
بدأ ركاب رحلة الرياض-تبوك بالتوافد والتجمع حول البوابة المذكورة . كانت حركة إقلاع الطائرات طبيعية . وفي حوالي الساعة 2:30 وقبل 45 دقيقة من وقت صعود الطائرة سمعنا المذيع الداخلي يطلب من جميع المسافرين التزام الهدوء والنزول الى مواقف السيارات وطلب المذيع من المسافرين عدم الهلع لكن ما طلب المذيع لم يحصل وإنما أخذ المسافرين بالتدافع السريع وأصبحت صالات المطار في فوضى عارمة فالكل يريد الهرب منها وأنه من عجيب ما رأيت أن بعض الخادمات والأمهات نسين أطفالهن النيام أما المسنين والعجزة فلم يجدوا من يساعدهم.
وصلت لمواقف السيارات وهي مواقف لها سقف صخم حتى كأنها ملاجيء وبعد حوالي 20 دقيقة وصلت حافلات نقل الركاب الأرضية والتي كانت في الأصل تستعمل في نقل الركاب من الصالات الى سلالم الطائرات. وقام العاملين في المطار بإعطاء أولوية الإركاب للنساء والاطفال وكبار السن. وكانت الحافلات تقوم بنقل المسافرين الى خارج المطار ونقلهم الى فندق المطار
كان المشهد من مشاهد يوم القيامة صراخ وعويل وانهيارات نفسية فالكل يريد ان يركب في هذه الحافلات وكان الموظفين يقومون بمنع الرجال من الركوب لإعطاء الفرصة للنساء والتطفال لقد ادرك المسافرون أن شيئا خطيرا على وشك الحدوث مما زاد في توتر وفزع المسافرين.
أما أنا فكان علي الانتظار حتى يقضي الله امره وفي الاثناء شاهدت زميلا كريما هو الدكتور عائض القحطاني (أصبح جراحا للأطفال) وكنت أعرفه ويعرفني وكان يسكن في سكن الطلاب وكان حينها متخرجا ويقضي فترة الإمتياز وكان الدكتور قد أحضر قريبا له قبل نحو ساعتين وكان مسافرا الى جدة وكان موعد اقلاعها هو تمام 2 صباحا . لقد أكدت له ان قريبه قد سافر بالفعل فرحلة جدة المذكورة كانت على نفس بوابة 32 وهي نفس البوابة التي ستقلع منها طائرة الرياض- تبوك.
ركبت معه في سيارته وعدنا سوية وفي الطريق لاحظت وجود القناع المضاد للأسلحة الكيميائية والبيولوجية. أدرنا المذياع وبدأنا نلتقط إذاعة ناطقة باللغة الإنجليزية وكانت تنقل خبرا عن CNN أن حرب تحرير الكويت أنطلقت فعلا وكانت ساعة الصفر هي الثانية والنصف صباحا.
عدت لسكن الطلاب وكان ذلك حوالي الساعة 4 فجرا .
في الساعة العاشرة صباحا عرضت القناة السعودية الأولى تسجيلا عن قناة CNN الأمريكية. وقبل الظهر اتصلت على والدتي في تبوك واخبرتها بان الخطوط الجوية ستتوقف عن العمل حتى إشعار آخر.ويوم السبت ذهبت لمستشفى الملك خالد الحامعي وأصبحت متطوعا لتقديم ما يمكن تقديمه.
بدأ صدام بإطلاق صواريخ سكود الكورية الشمالية على العاصمة الرياض وكنت أخرج لرؤية كيف كانت تعترض صواريخ باتريوت الأمريكية وتدمر الصواريخ الكورية المطورة
بعد مرور شهر تقريبا أصبح سكن الطلاب كمدينة أشباح فحتى طلاب الجاليات والذين يقيمون إقامة شبه دائمة ولسنوات لم أعد اراهم وتحت ألحاح الوالدة قررت السفر لتبوك عن طريق البر.
في حي الغرابي وهو حي معروف في منطقة البطحاء حيث كانت حافلات السفر الضخمة و الكثيرة محجوزة بالكامل ومنذ أيام لعدد كبير من الأخوة العرب وأسرهم وكانت وجهتهم الاردن وسوريا ولبنان أما سيارات الأجرة فان أصحابها لا ينطلقون بها حتى يكتمل عدد 4 ركاب وكانت أجرة الاركاب 3 آلاف ريال للراكب الواحد اذا كان وجهته مدينة تبوك و يستطيع الراكب ان يستأجر سيارة لوحده لتوصله الى تبوك لكن بمبلغ 12 ألف ريال .
كان علي ان أذهب يوميا لسائق الأجرة منتظرا إكتمال النصاب وبعد حوالي 3 أيام اكتمل العدد وانطلق بنا إلى الشمال وكانت الساعة حوالي 8 صباحا . المسافة بين الرياض وتبوك هي حوالي 1400 كم وكان السائق يسير بسرعة حوالي 120 الى 140 كلم في الساعة وكان لا يتوقف بنا الا في نقاط التفتيش التي أقامها أمن الطرق.
في حوالي 4 عصرا توقفنا في استراحة على الطريق فيها محطة وقود ومطعم صغير لحوالي الساعة حيث تناولنا وجبة الغداء ثم احتساء الشاي والقهوة. وكان سائقنا الشاب كله حيوية ونشاط وكان يحثنا على سرعة الركوب فقد قطعنا تقريبا ما يزيد على نصف المسافة تقريبا. وبعد سياقة استمرت لاكثر من 14 ساعة وصلنا الى مدينة تبوك وكان ذلك في حوالي الساعة 11 مساءا حيث بدأ السائق بتوزيع الركاب كلا بحسب الحي الذي يسكنه.